في إطار جهود الدولة المصرية لتعزيز بيئة الاستثمار وتحفيز النمو الاقتصادي، تبرز البنوك المحلية كعنصر أساسي في دعم تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية وتسهيل وصول المستثمرين إلى السوق المصرية. فمصر، بموقعها الاستراتيجي وإصلاحاتها الاقتصادية المستمرة، أصبحت واحدة من أكثر الوجهات جذبًا للاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة العربية وإفريقيا، وأصبحت لاعبًا محوريًا على خريطة الاقتصاد العالمي.
يُعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) من المصادر الحيوية للعملة الصعبة وأداة رئيسية لخلق فرص العمل ونقل التكنولوجيا إلى الداخل.
وبحسب تقرير البنك المركزي المصري الصادر في يوليو 2024، فقد سجلت مصر صافي تدفقات استثمار أجنبي مباشر تجاوز 10 مليارات دولار خلال السنة المالية 2022/2023، مع توقعات بارتفاع هذا الرقم خلال 2023/2024، مدفوعًا بمشروعات كبرى، مثل تطوير “رأس الحكمة” بالشراكة مع دولة الإمارات.
تأتي هذه الطفرات الاستثمارية في وقت تواجه فيه معظم الدول تحديات اقتصادية عالمية مثل ارتفاع التضخم وتقلبات أسعار الصرف، مما يزيد من أهمية دور البنوك المحلية في حماية الاستقرار المالي وجذب المستثمرين.
تلعب البنوك المصرية دورًا حيويًا في تهيئة مناخ استثماري آمن وجاذب، من خلال:
تقدم البنوك الوطنية، مثل البنك الأهلي المصري وبنك مصر، تسهيلات ائتمانية طويلة الأجل للمستثمرين الأجانب، مما يساعد في تمويل مشروعات استراتيجية في قطاعات الطاقة والصناعة والعقارات. وفي يناير 2024، أطلق البنك المركزي المصري مبادرات جديدة لتسهيل التمويل بالعملات الأجنبية، ما عزز من ثقة المستثمرين الخارجيين.
بعد تعويم الجنيه المصري في مارس 2024، عملت البنوك المصرية على تقديم أدوات تحوط متطورة مثل العقود الآجلة وعقود الخيارات، لضمان تقليل المخاطر للمستثمرين وتوفير النقد الأجنبي اللازم لتحويل الأرباح للخارج، مما يعزز الجاذبية الاستثمارية لمصر.
بفضل شبكة علاقاتها الدولية الواسعة، تتيح البنوك المصرية إجراء التحويلات والمعاملات المالية عبر الحدود بسرعة وأمان. وقد أظهرت بيانات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة أن 60% من الشركات الأجنبية العاملة في مصر تعتمد على البنوك المحلية لإدارة شؤونها المالية.
تُركز البنوك حاليًا على دعم القطاعات ذات الأولوية التي تستقطب الاستثمارات الأجنبية، وأبرزها:
الطاقة المتجددة: كمثال، مشروع بنبان للطاقة الشمسية بأسوان، الذي حظي بتمويل مصرفي واسع، وجذب استثمارات أجنبية تخطت 2 مليار دولار.
السياحة: عبر دعم مشروعات فندقية ومنتجعات عالمية.
الصناعة والتكنولوجيا: من خلال تسهيلات تمويلية موجهة للمناطق الصناعية والتكنولوجية الجديدة.
أكّدت تقارير اقتصادية متخصصة أن البنوك تمثل العمود الفقري لمنظومة جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وذلك بفضل مرونتها وتوسع خدماتها وقدرتها على ابتكار أدوات مالية تتناسب مع طبيعة الاستثمارات طويلة الأجل.
وشددت تلك التقارير على أن استقرار سعر الصرف وتوافر النقد الأجنبي هما العاملان الحاسمان في بناء الثقة، وهو ما توفره البنوك اليوم بعد إجراءات إصلاحية مهمة في القطاع النقدي.
مع استمرار الإصلاحات الاقتصادية في مصر والتوسع في المشروعات القومية والبنية التحتية، تبدو الفرص الاستثمارية في ازدياد، مما يدفع البنوك إلى تطوير آلياتها وخدماتها لمواكبة حجم وتنوع التدفقات المالية المرتقبة.
وتعمل الحكومة على تحفيز البيئة المصرفية والمناخ الاستثماري من خلال تحديث التشريعات وتعزيز الحوكمة وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص.