خبر صح

السعودية وإخماد حرائق المنطقة والعالم - خبر صح

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السعودية وإخماد حرائق المنطقة والعالم - خبر صح, اليوم الأحد 4 مايو 2025 11:54 صباحاً

العالم ملتهب. أجزاء منه تقف على برميل بارود. السلاح لا يهدأ. والقتل لا يتوقف. والجثث أكثر من رغيف الخبز ولقمة العيش. والأرض منزعجة من كثرة القبور. وفي جزء كالسعودية، يكمن العمل، والنهوض. والرؤية والمستقبل. والهدوء، والتعايش والسلم. وصوت العقل، ورجاحة الرأي.

في منتصف الشهر الجاري سيحط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رحاله في المملكة. واختيار الرجل للسعودية كأول زيارة رسمية له للخارج منذ عودته للمكتب البيضاوي، ليس اعتباطا أو مصادفة. بل يعود للإيمان المطلق بالثقل الاستراتيجي السعودي، القائم على اعتبارها لاعبا هاما في العالم.

والحقيقة، ذلك يعود لعدة مسببات، ما أبرزها؟ أهمها النجاحات السعودية في السياسة العالمية، كيف؟ بمعنى أن الرياض خطفت الأبصار حين جمعت من كان صعب اجتماعهم. أقصد الأمريكان والروس. فقد التأم الطرفان على أرضها للبحث عن حلول لمشاكلهم وملفاتهم العالقة.

وقصة هذا اللقاء ليست صدفة، بل لها تفاصيلها ودهاليزها. فقد التقط السياسيون في السعودية إشارة خلال حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حين أبدى رغبة بلقاء الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، لتسوية الخلافات القائمة بينهما.

صحيح أن تلك الرسالة الترامبية تندرج في إطار العملية الانتخابية، إلا أن الرياض قررت خوض الوساطة، وعملت بصمت على تحقيق ذلك، وبالفعل تمكنت من كسر الجليد بين واشنطن وموسكو. والتقى وفداهما في المملكة، والعالم بأسره يتفرج. وحققت نصرا دبلوماسيا مكتمل الأركان بلا جدال.

وقد خطت السعودية تلك الخطوة، نظير يقينها بامتلاك البراعة السياسية، التي رسم خطها العريض الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن؛ وورثها الملك سلمان، وولي العهد، حتى يومنا هذا.

والرئيس الأمريكي سيزور السعودية رغبة بسماع الرأي في ملفات عديدة ساخنة في المنطقة، مثل؟ الملف الفلسطيني، الذي يعتبر ضمن أخطر أوراق الإقليم المشتعلة، جراء التعنت الإسرائيلي، الذي لا يجد بدا من استخدام السلاح المفرط، في وجه الأبرياء العزل. بالإضافة إلى الملف السوري الذي عاد للواجهة من جديد، نتيجة محاولات الفتنة التي تعمل عليها أطراف داخلية وخارجية. كما يريد الرجل استيعاب وجهة النظر السعودية، للوصول إلى آلية للتعامل مع جماعة أنصار الله في اليمن «جماعة الحوثي». ناهيك عن تعزيز التعاون أمنيا واستخباراتيا، وحتى اقتصاديا.

بنظري، أعتقد أن هناك ما يمكن أن يكون ذا أهمية قصوى بالنسبة لواشنطن، ما هو؟ يريد الرئيس ترامب تصحيح الخط «السلبي» الذي خلفه له سلفه جو بايدن، بعد أن تسبب بخلل وتذبذب العلاقات مع دول المنطقة، لا سيما المحورية منها. والرغبة بأن يبدأ تصحيح المسار من السعودية، له معانٍ ودلالات كبرى، يمكن اختصارها بأن الرياض تعد منطلق تحقيق تلك النتيجة، كونها الأكثر تأثيرا في منطقة لها أهميتها الخاصة.

وبينما يتفهم صناع القرار في واشنطن أنه يستحيل تغييب أو تحييد الثقل الاستراتيجي السعودي، وأهميته في دوائر صنع القرار العالمية، يدرك السعوديون بالمقابل أن المزاج السياسي الأمريكي محكوم بالحزبية، التي لا تأخذ المصلحة العامة للدولة كعنوان عريض بعيدا عن التجاذبات السياسية.

ودليل تقلب المزاج السياسي الأمريكي، هو التقارب خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والوصول إلى اتفاق خاص ببرنامجها النووي، فسر في وقته أنه على حساب العرب ودول المنطقة.

وبرغم ذلك فلم تخاصم المملكة أمريكا، لأن السياسة السعودية تسير على قاعدة أن العلاقة مع دولة ما يجب ألا تقوم على الأشخاص. هذا أولا. ثانيا: فقد غيرت تموضعاتها؛ ونسفت فكرة أحادية التحالفات، عقب أن كشفت أنها غير مجدية. لذا انفتحت الرياض انفتاحا غير مسبوق على روسيا، كدولة عائدة من رماد التاريخ. والصين كجمهورية صاعدة؛ مع الاحتفاظ بعلاقات مميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

من زاوية أخرى، أجد أن لبلادي مواقف جليلة مع أمريكا، مثل ماذا؟ أبرزها أنها أسهمت في دعم الاقتصاد الأمريكي، من خلال اتساع الارتباط الاستراتيجي بين البلدين، وهو الأمر الذي عاد بنهاية المطاف إلى توفير مئات آلاف فرص العمل للمواطنين الأمريكان. هذا على الصعيد الاقتصادي. وهذه نقطة تحسب لها لا عليها.

ماذا عن السياسة؟ لقد تمكنت الدبلوماسية السعودية من جمع أطراف روسيا الاتحادية وأوكرانيا، وهما الدولتان المتقاتلان، للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، ويدفع لوضع الحرب أوزارها. وتلك الخطوات في هذا الملف ينظر لها بإكبار في العالم أجمع.

وهو ما عجزت عنه كبريات الدول، على رأسها أمريكا. وعلى هذا الأساس يجوز التأكيد أن المملكة حليف يتصف بـ»الندية» لواشنطن، حليف «إيجابي» يسعى لإخماد الحرائق لا إشعالها.

إن وجود السعودية وسط المعتركات السياسية الدولية، وفرض نفسها كوسيط مقبول من جميع الأطراف، والانفتاح على الأقطاب المتصارعة كافة، وجمعهم على أرضها، نابع عن حنكة متجذرة، وعن صورة عامة يفهمها الجميع، أنها لا تبيع المواقف بالمال، ولا بالنفوذ، ولا بمواطئ الأقدام.

لذا فوجودها بقوائم معترك السياسة الدولية غير مستغرب، لأن لها كلمتها الوازنة والمؤثرة. إنها تستحق بالقول والعمل، موضع فاعل ومحوري، ومستوى العالمي.

لذلك اختارها ترامب محطة هامة في تاريخ أمريكا السياسي. لن يزورها للسياحة والاستجمام. سيأتي للبحث عن الشمس السعودية، وفي رواية؛ لإخماد حرائق المنطقة.. والعالم.

أخبار متعلقة :