ضمان السلام في أنغولا وموزمبيق - خبر صح

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ضمان السلام في أنغولا وموزمبيق - خبر صح, اليوم السبت 29 مارس 2025 09:39 مساءً

في ظل تزايد الحروب الأهلية وتعقيداتها، لم تعد معاهدات السلام مجرد نهاية للصراع، بل بداية لمسار طويل يتطلب دقة في الصياغة ووضوحاً في التنفيذ. فكثير من المعاهدات تنهار ليس بسبب غياب النوايا، بل بسبب تجاهل التفاصيل الدقيقة التي تحدد مصيرها. وتجارب مثل أنغولا وموزمبيق تبيّن أن السلام الحقيقي لا يُبنى على التوقيع وحده، بل على القدرة على ترجمة البنود إلى واقع ملموس ومستدام.
يشكّل كتاب «ضمان السلام في أنغولا وموزمبيق: أهمية الدقة في معاهدات السلام» للدكتورة ميرندا ميلتشر، إضافة متميزة إلى حقل الدراسات السياسية والدبلوماسية، إذ يتناول بعمق دور التفاصيل الدقيقة التي قد تبدو ثانوية للوهلة الأولى، في تحديد مصير عمليات السلام، مبيناً كيف كانت هذه الجزئيات الحاسمة سبباً في نجاح بعض الاتفاقات أو انهيارها.
ينطلق الكتاب من سؤال جوهري: هل فعلاً ما يُكتب في الصفحة السادسة والثلاثين، البروتوكول الخامس، القسم الثالث، البند الخامس من معاهدة سلام تدعمها الأمم المتحدة أمر مهم؟ في نظر ميلتشر، الجواب هو نعم، وبشكل قاطع. فالتفاصيل الصغيرة مثل طبيعة الأزياء التي يرتديها المفاوضون، أو توفر فرشاة أسنان في مكان الاجتماع، أو حتى الكلمات التي تُترجم من الفرنسية إلى الإنجليزية، قد تؤثر بشكل مباشر في مسار التفاوض، وتؤدي أحياناً إلى تعطيله أو إعادة إشعال الصراع من جديد.
يعتمد الكتاب على مصادر أولية فريدة من نوعها، تتنوع بين مقابلات مع شخصيات شاركت في مفاوضات السلام، ووثائق للأمم المتحدة لم تكن متاحة سابقاً، وبناءً على هذا الكم النوعي من المعلومات، تؤكد المؤلفة أن «الدقة في المعاهدة» عنصر حاسم في تقييم احتمالات نجاح أو فشل عملية السلام. وفي تتبعها لمساري السلام في الحربين الأهليتين في أنغولا وموزمبيق، تكشف ميلتشر عن التباين اللافت في مآلات كل تجربة، رغم الإشراف الدولي والتقنيات الدبلوماسية المشتركة.


الحروب الأهلية في تزايد


يبدأ الكتاب بالفصل الأول: المقدمة، حيث تطرح الكاتبة الإشكالية المركزية حول أسباب فشل أو نجاح معاهدات السلام، وتُبرز أهمية التفاصيل الدقيقة في صياغة هذه الاتفاقات، وتقول فيه: «وصفت الحروب الأهلية بأنها «شرسة، همجية، وطويلة»، وهذا للأسف، وصف دقيق لما أصبح أكثر أشكال العنف الجماعي شيوعاً منذ نهاية الحرب الباردة»، وتعلق أيضاً على ذلك بالقول: «أحد الأسباب التي تجعل هذه الحروب طويلة بشكل متزايد هو أن عدد الحالات التي يحقق فيها طرف عسكري نصراً حاسماً على الطرف الآخر قد انخفض بشكل كبير؛ فمنذ نهاية الحرب الباردة، انتهى ما يقرب من نصف جميع النزاعات الأهلية باتفاقات تفاوضية بدلاً من انتصارات عسكرية مباشرة».
وتضيف: «تشبه الحروب الأهلية أشكالاً أخرى من العنف: من النادر أو المستحيل تحديد سبب جذري واحد وصياغة حل كامل. ولكن الحروب الأهلية، بسبب حجمها من حيث الأرض والسكان، وتعقيد التداخل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تحمل تعقيدات إضافية. فهذه العوامل لا تتسبب فقط في خلق ظروف مواتية للعنف واسع النطاق، بل إنها أيضاً تؤثر في ديناميكيات العنف وتزيدها حدة».
وتشير إلى أنه «نظراً للملايين من الناس المتأثرين بالحروب الأهلية سواء في الحاضر أو في المستقبل، ناهيك عن أولئك الذين ما زالوا يعانون تبعات نزاعات سابقة، فإن قلة الاهتمام النسبي بهذا النوع من العنف مقارنة بغيره من المطالب البحثية تثير الدهشة. وحتى عندما يركز الباحثون على الحروب الأهلية نفسها، فإن القضايا التي تليها تظل ذات أهمية متزايدة. ورغم أن تحديد أسباب الحروب الأهلية يوفر نقطة انطلاق مفهومة لهذا الحقل الفرعي من الدراسات، فإن الحقيقة المؤسفة أن عدد هذه الحروب في تزايد مستمر، والأهم من ذلك أن مدتها الزمنية آخذة في الازدياد أيضاً. وفعلياً، فإن البحث في العوامل المسببة للحروب الأهلية هو ما ساعد على تشكيل الفهم السائد لهذه الظاهرة. ويدعم هذا البحث الفرضية القائلة بأن التنبؤ باحتمال اندلاع حرب أهلية جديدة، كما هي الحال عند التنبؤ بالزلازل، هو أمر ممكن على نحو متزايد. مع ذلك، يرى هذا الكتاب أن هناك مشكلة أكبر تواجه الباحثين في هذا المجال: وهي أننا لا نفهم بعد كيف نُنهي الحروب الأهلية، بما في ذلك التعقيدات المتزايدة لذلك».


التسوية التفاوضية لإنهاء الحروب الأهلية


ينتقل الكتاب إلى الفصل الثاني: الحربان الأهليتان في أنغولا وموزمبيق، الذي يستعرض السياقات التاريخية والسياسية للصراعين، ممهّداً لفهم تعقيدات كل حالة على حدة. وكذلك في الفصل الثالث: نحو السلام؟، ليُحلّل مسار المفاوضات الأولية والعقبات التي اعترضت طريق بناء الثقة والاتفاق بين الأطراف المتنازعة. يركز الفصلان على الشكل الأكثر شيوعاً لإنهاء الحروب الأهلية في الوقت الراهن: التسوية التفاوضية، بدلاً من الحالات التي ينتصر فيها طرف بشكل حاسم على أرض المعركة.
يسعى الكتاب إلى إجابات عن الأسئلة التالية: لماذا تمتد الحروب الأهلية لفترة طويلة؟ ما هي العقبات (الكثيرة) التي تعترض طريق التفاوض على معاهدات السلام؟ ولماذا تفشل بعض معاهدات السلام، رغم التفاوض عليها وتوقيعها، في أن تُنفَّذ؟ ينطلق الكتاب من محاولة للإجابة على هذه الأسئلة باعتبارها مدخلاً لفهم الجهود الواقعية الرامية إلى إنهاء الحروب الأهلية. وبشكل أكثر تحديداً، استند المشروع إلى الأفكار التالية وافتراضات منطقية.
* أولاً، عدد متزايد من الحروب الأهلية ينتهي حالياً عبر التفاوض لا عبر نصر عسكري. هذا التحول يغيّر الشروط اللازمة لإنهاء الحرب، بدءاً من العوامل التكتيكية والاستراتيجية واللوجستية في ساحة المعركة، وصولاً إلى التنسيق طويل الأمد بين القوى السياسية والقانونية والمؤسساتية، والتي يجب أن تُدار بمهارة إلى جانب تحقيق الأهداف العسكرية. هذا التحول يُعقّد المهارات المطلوبة من الفصائل المتحاربة، ويزيد من عدد المتغيرات التي يجب تنسيقها لتحقيق وقف فعلي للصراع. ولا أحد يقول إن ذلك سيكون سهلاً.
* ثانياً، إن ازدياد تعقيد هذا الوضع يُبرز أن توقيع معاهدة السلام ليس النهاية، بل هو بداية لمسار شاق وطويل، فترجمة ما تم الاتفاق عليه إلى واقع عملي تُعد معركة بحد ذاتها. كما هي الحال في أي معركة لا تُحسم في أول مواجهة مع العدو، فإن الاتفاقية لا يمكن أن تُعتبر ناجحة فقط بمجرد توقيعها. لا بد أن تُنفَّذ، لا سيما إذا لم يكن الاتفاق قد تم في ظل استسلام أحد الطرفين، بل جاء بعد جمود عسكري، أو نتيجة لتفاوض مضن بين أطراف متنازعة. يناقش هذا الكتاب، بالتالي، كيف تصبح نهاية الحرب في كثير من الأحيان بداية مرحلة جديدة من التحديات المعقدة، وهي المرحلة التي غالباً ما تبدأ بها الدراسات المعنية بالحروب الأهلية، لكن دون النظر إلى العملية التفاوضية التي سبقتها، والتي تتطلب هي الأخرى دراسة متعمقة.
* ثالثاً، تشير الفرضيتان السابقتان إلى أن الشروط التي تُحدّد ما إذا كانت معاهدة السلام ستُنفَّذ فعلياً أو ستُساهم في إعادة إشعال النزاع، غالباً ما تكون مستحيلة التحقق أو صعبة التنفيذ. ومع ذلك، فإن الأدبيات البحثية لم تُخصِّص سوى قدر ضئيل من الاهتمام لطبيعة هذه المعاهدات نفسها: كيف صيغت؟ من شارك فيها؟ وما هي الأسباب التي تجعلها، رغم التوافق عليها، غير قابلة للتطبيق؟ يسعى هذا الكتاب إلى سد هذه الفجوة، مركّزاً على المعاهدات التي لم تُطبَّق رغم الاتفاق عليها، أو التي تم تنفيذها بطريقة غير متّسقة أدت إلى فشلها أو إعادة إشعال العنف.
ويكشف الفصل الرابع: مسارات متباينة، فيقارن بين التجربتين، وكيف اتخذ كل من البلدين مساراً مختلفاً رغم وجود عوامل مشتركة. ويطرح الفصل الخامس: السلام أخيراً...؟ تساؤلاً جوهرياً حول مدى تحقق السلام فعلياً، مع التركيز على تطبيق الاتفاقات على أرض الواقع ومظاهر الهشاشة التي رافقتها. ويُختتم العمل بالفصل السادس: دروس مستفادة وتداعيات، حيث تستخلص الكاتبة العبر من التجربتين وتقدّم توصيات لصانعي السياسات والمفاوضين، مؤكدة أن تحقيق السلام لا يتوقف على التوقيع بل على التنفيذ الدقيق والواعي لكل بند من بنود المعاهدة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق