نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حروب التضليل.. أو الحروب الموازية - خبر صح, اليوم الأربعاء 19 مارس 2025 11:15 صباحاً
في أغلب الصراعات المسلحة تغيب "الحقيقة" عادةً، بل تكون هي أول وأكبر ضحايا الحروب والأزمات الكبرى، بل تظل "الحقيقة" هي الغائب الأهم في خضم كل الدّعايات والحروب النفسية، منذ زمن "جوبلز"، وزير إعلام "هتلر"، مروراً بـ"أحمد سعيد" في مصر الناصرية أو "محمد سعيد الصحاف" في عراق صدام حسين، وغيرهم، وليس انتهاءً بمن استبدلوا اليوم صفة وزير الإعلام بوزراء دعايةٍ من نوعٍ آخر؛ مثل "الناطق الرسمي" باسم هذه الجهة أو تلك الجماعة، او "الخبير الإستراتيجي"، المموِّه لمهمته بخرائط الجرافيكس، وتقنيات التصوير المتعدد الأبعاد.
مهزلة البيانات الإنشائية، أو التحليلات العسكرية والسياسية المؤدلجة في بعض فضائياتنا العربية على أيدي هؤلاء "الناطقين والخبراء" تبدو جزءًا أصيلاً من عبثية الحروب الدائرة اليوم في بعض مناطق الشرق الأوسط، وخصوصاً في المنطقة العربية.
نرى على الشاشات اليوم الكثير من الأشخاص ممن يجري تقديمهم برتبهم العسكرية العالية، أو بصفاتهم القيادية السابقة في جيوش بلدانهم.
لا بأس في ذلك، لكن أغلبهم يتحدّث كما لو كان بالفعل خاض حروباً، وقاد معارك ميدانية طاحنة، في حين أنه قد لا يكون شارك في أي مواجهة عسكرية مع عدو خارجي، أو حتى في مجرد مناورة، أو تدريبٍ على القتال، بل الأنكى أن يكون نجاح بعضهم يكمن فقط في أنه قاد عمليات قمع داخلية في بلاده ضد احتجاجٍ هنا أو تمرّد محدودٍ هناك.
والأغرب كذلك أن يعمد بعض أمثال هؤلاء -عندما يتحدّثون عن حروب المنطقة- إلى تقديم معلومات مضللة، مستعينين بتقنياتٍ مرئيةٍ مبهرةٍ إعداداً وإخراجاً.
ولا بأس حتى في أن لا يكون بعض من تستضيفهم بعض تلك القنوات قادة عسكريين سابقين، بل يكفي أن يكون بعضهم خبراء أو باحثين حقيقيين عملوا أو لا يزالون يعملون في جهات حكومية ذات صلة، أو مراكز بحثية مرموقة، وليس مجرد متقاعدين تُجاوز الواقع تجاربهم السابقة القديمة.
المشكلة أيضاً تكمن في أن أدنى شروط التحليل العسكري أو السياسي، المفترضة بمنهجية وحياد علمي، لا يتوفّر لدى البعض من هؤلاء، إذ غالباً ما يتم تبنّي أجندة الجهة التي تنتمي إليها القناة المضيفة بالكامل مقابل فتات قليل من المال.
لا نرى عند الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية حضوراً للمحللين والخبراء ثرياً بالبحث والمعلومات والتفاصيل مثلما نراهم حين يتكاثرون كلما كان هناك صراعٌ مسلحٌ أو أزمة سياسية بين أطرافٍ لها قدرة على التمويل لتجد في هؤلاء من يروِّج لهذا الطرف أو ذاك دون إلمام أو معرفة كافية بخلفيات القضايا التي يتحدَّثون عنها.
كتب المفكر الكويتي د. محمد الرميحي، في 27 أكتوبر 2018، في جريدة "الشرق الأوسط" السعودية، الصادرة من لندن في العدد رقم [14578]، مقالاً عميقاً ومعقّداً عمّا عايشه عن قُرب خلال زيارة له إلى العاصمة الأمريكية واشنطن.
إحدى من قابلهم الرّميحي قدَّمت نفسها إليه بوصفها مختصة في شؤون الخليج، فجاء في مقاله "قلت وأنا أصافحها: ربّما هنا في هذه العاصمة يوجد مختصون في شؤون الخليج أكثر عدداً من الخليجيين أنفسهم! كان ذلك تعليقاً شائكاً، ولكن كثيرين منهم «كحاطب ليل» يعرفون قليلاً وينظِّرون كثيراً"!
واليوم صارت هناك بدعة جديدة لبعض الفضائيات عندما تقدّم شخصاً ما ليس باعتباره خبيراً أو محللاً أو باحثاً، ولكن على أساس أنه "مستشار" لها لشؤون المنطقة الفلانية، أو العلاقة بين هذه الدولة وتلك، وكأنما هذه الفضائيات أصبحت جهة عليا في البلد الذي يموِّلها تنافس وزارة الخارجية، وليست مجرد وسيلة إعلامية.
كل ذلك يصيب عقل المشاهد بالعطب، ويعمل على استغفال وتزييف وعيه، والتشويش على فهمه لحقائق الأمور، أو الأحداث وتطوراتها، كما هي في الواقع، وليس مثلما تبدو في مخيلة هذا "المحلل الإستراتيجي" أو ذاك.
——
نقلاً عن موقع بلقيس نت
0 تعليق