اليمن من سليمان إلى الحوثي ومن ملكة سبأ حتى ولي الفقيه - خبر صح

المشهد اليمني 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اليمن من سليمان إلى الحوثي ومن ملكة سبأ حتى ولي الفقيه - خبر صح, اليوم الاثنين 31 مارس 2025 11:39 مساءً

تعرفت إلى اليمن غبر مشاهدة فيلم "سليمان وملكة سبأ"، فعندما عرض الفيلم قبل تأسيس النظام الإيراني في "سينما مولن" في الطريق القديم لمنطقة شميران في طهران، كان الطابور مكتظاً بالراغبين في مشاهدته، وأدى يول برايانز دور سليمان بينما أدت جينا لولوبرايجيدا دور ملكة سبأ، ووقتها شاهدت الفيلم ثلاث مرات.

كانت تلك الرواية المليئة بالحب لها معنى آخر لي وكنت وقتها في السابعة من عمري، فقرأت في ما بعد قصة سليمان النبي الذي سخر الجن والإنس، وعندما كنت يافعاً كانت اليمن تجذب أبناء جيلي لسببين: نضال جنوب اليمن بقيادة قحطان الشعيبي لنيل الاستقلال من بريطانيا، وإسقاط حكم الإمام البدر بقيادة العقيد عبدالله سلال التي أدت إلى حرب أهلية استمرت سبعة أعوام، ووقتها أرسل جمال عبدالناصر 70 ألف جندي مصري للقتال في اليمن، ودعمت والأردن الإمام بدر آنذاك، وبعد هزيمة مصر في "حرب الأيام الستة" مع إسرائيل، أبرم الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود وجمال عبدالناصر اتفاقاً وانتهت الحرب اليمنية، لكن اليمن لم ير الاستقرار وشهد انقلابات عدة ولم تتح الفرصة للعسكري الوطني العقيد إبراهيم محمد الحمدي للاستمرار في الحكم، وتعود الجذور الأيدولوجية لحركة الحوثيين بالانتماء إلى فرقة الزيديين، وهم فرع من الإسلام الشيعي، لكنهم فقهياً الأقرب إلى الإسلام السنّي، ويعرف الزيديون بالانتفاضة ضد انتهاك العدالة، كما يعرفون في الأدب الشيعي بأنهم يشكلون امتداداً لنهضة الحسين.

الشباب المؤمن

كانت أولى إرهاصات ظاهرة نهضة الحسين تجلت في عقد التسعينيات من القرن الـ 20 بعد تشكيل حركة "الشباب المؤمن"، وكانت للحركة صبغة فكرية تركز على البحث والتعليم في إطار العقيدة الزيدية، وبعدما أخذ نشاط الشباب الذين انتظموا في الحركة يتصاعد أطلقوا شعار "الموت لأميركا والموت لإسرائيل"، فلفتوا الأنظار لكن الحكومة ظلت تتعامل معهم بهدوء.

ويعد الإمام بدر الدين الحوثي أول قائد للحركة، وكان يضع العمامة على غرار الأئمة في اليمن وعُمان، لكن لو كانت الإمامة والسلطنة متطابقة مع الواقع لرأينا البلد في درجة مماثلة مع عُمان في الاستقرار والتنمية، وبعد زيارته قم ولقائه مؤسس النظام الإيراني روح الله الخميني مع عدد من رجال الدين، تنحى بدر الدين الحوثي عن المذهب الزيدي وتحول إلى المذهب الإثني عشري، وبعده تولي نجله حسين بدر الدين الحوثي قيادة الطائفة وبدء نشاطه السياسي، أسس حزباً سياسياً صغيراً أطلق عليه اسم "الحق" وشارك في انتخابات عام 1993 وحصل على مقعدين في البرلمان اليمني، أحدهما كان من نصيبه.

وبعد هجمات الـ 11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001 وأحداث حرب العراق، اتخذ حسين الحوثي مساراً فكرياً جديداً حين أسس حركة "مناهضة للإمبريالية"، متأثراً بالأفكار العامة للنظام الإيراني وشكل خليطاً منها، وأطلق على حركته اسم "الشباب الثوري المؤمن"، ثم غيّر اسمها شقيقه عبدالملك في ما بعد إلى "أنصار الله".

وتوسع نشاط حركة "الشباب المؤمن" من الدفاع عن حقوق الشعب في منطقة صعدة إلى تقديم خدمات اجتماعية وتعليمية، وأخذت طابعاً سياسياً أوضح تجلى في خوض حروب ضد حكومة الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، وكان حسين الحوثي قد ذهب مثل والده إلى إيران وقبّل يد ولي الفقيه، وتحول اعتقاده من الإيمان بأربعة أئمة إلى 12 إماماً، ثم ذهب عشرات الشباب الزيديين من اليمن إلى مدينة قم الإيرانية وتلقوا التعليم الديني والتدريبات العسكرية، ليعود حسين في ما بعد إلى صعدة ويؤسس حركة للقتال ضد الحكومة، وفي عام 2004 تحول التنظيم إلى ميليشيات مسلحة خاضت القتال ضد الحكومة، وقتل في العام نفسه حسين الحوثي وورث شقيقه عبدالملك القيادة من بعده.

وعلى رغم أن الزيديين كانوا يحكمون اليمن حتى إسقاط حكم الإمامة في اليمن عام 1962، ظلت قواعدهم في صعدة بعيدة من سيطرة الحكومة المركزية، وظل الإقليم يعتمد على الاكتفاء الذاتي واضطر السكان إلى استخدام مصادر الإقليم فقط.

أما السبب الآخر في ظهور الحوثيين في اليمن فهو نمو نشاط المجموعات المتطرفة مثل "القاعدة" و"داعش" ونفوذهم المتصاعد هناك ووصولهم إلى قواعد الحوثيين، وحتى عام 1980 كانت جبال صعدة تضم الزيديين فقط وتهيمن عليها طبقة من "السادة" يشكلون خمسة في المئة من تعداد الإقليم، وبعدما نظم الحوثيون أنفسهم خاضوا قتالاً مسلحاً ضد حكومة صالح فخاضوا ستة حروب بين عامي 2004 و 2010 في مناطق سيطرتهم، تركت آلاماً عميقة في اليمن، ولم تصدر إحصاءات واضحة عن عدد قتلى الحرب بين عامي 2009 و2010 في وقت كانت الحكومة تنتهج أسلوب الأرض المحروقة، لكن الحرب تسببت في تشريد عشرات الآلاف وأحدثت أزمة إنسانية كبيرة.

وفي عام 2011 وشارك الحوثيون في التظاهرات ضد حكومة علي عبدالله صالح وكانوا من اللاعبين الأساس في اجتماعات الحوار الوطني، وقد شكل سقوط حكومة صالح عام 2012 فرصة ثمينة لهم لتعزيز موقعهم ونفوذهم في اليمن، بخاصة بعدما لقوا دعماً من أعداء صالح.

أما في عام 2014 فهيمن الحوثيون على صنعاء، وبعد هزيمة قوات الجنرال علي محسن الأحمر وقوات علي عبدالله صالح هيمنوا على المؤسسات والإدارات الحكومية، وفي مطلع عام 2015 حاصروا القصر الرئاسي واعتقلوا الرئيس عبدربه منصور هادي وأعضاء حكومته، وتمكن هادي من الهرب من الإقامة الجبرية وانتقل إلى جنوب اليمن ثم إلى السعودية.

وقد حاول الحوثيون وعدو الأمس علي صالح بسط نفوذهم على جميع أنحاء اليمن، لكن السعودية قادت تحالفاً ضدهم بعد دعم إيران لميليشيات الحوثيين، ولم يمض كثير على التحالف بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح، لأن النظام الإيراني لم يرغب في صالح فقتل في ديسمبر (كانون الأول) 2017 على يد الحوثيين أثناء محاولته الفرار من صنعاء.

وخلال تلك الحرب تبخر كل ما بناه محمد خاتمي وأكبر هاشمي رفسنجاني لتحسين العلاقة مع السعودية وانهارت الثقة بينهما، فلم يكن موضوع التدخل الإيراني في اليمن وانتهاك سيادة وأمن السعودية والهجوم على المنشآت النفطية بالأمر الذي تلتزم الرياض الصمت حياله، لكن السعودية تعاونت مع إيران بشتى الطرق وفي النهاية وقعت اتفاقاً أمنياً معها.

ويجب القول إن فترة ولاية محمود أحمدي نجاد والبرامج التي انتهجها أدت إلى تدهور العلاقة بين إيران والسعودية، ووقتها اتهمت طهران الرياض بدعم "الحركة الخضراء" من خلال تغطية "قناة العربية" أحداث الحركة الإصلاحية التي حدثت بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009.

النظام الإيراني لم يكسب شرعية شعبه ولم يوكله أحد بالتصرف نيابة عنه، لكنه قفز لينشط في منطقة تعتقد بالولاء لأربعة أئمة وتظاهر بالقلق حيال وضعهم وأبدى دعمه لهم، في حين نشهد في أنحاء أخرى مثل الشيشان التي قتل فيها 100 ألف مسلم، وفي الصين التي قتل فيها عشرات آلاف المسلمين، لكن النظام لا يهتم بمثل هذه الأحداث مثلما اهتم بالحوثيين، كما أنه لم يهتم بمقتل الشيعة الأذربيجانيين في قره باغ، ويثبت ذلك أن نظرة النظام الإيراني إلى الأمور تنبع من مواقف سياسية ولم تكن النظرة دينية، فتصرفات إيران تدعو حكومات المنطقة إلى التواصل مع الولايات المتحدة والغرب للضغط على طهران التي تسعى إلى إسقاط الأنظمة الحاكمة فيها، ومن خلال هذا التواصل تصل رسائل كثيرة إلى العواصم الغربية من أجل الضغط على النظام الإيراني.

أقدم الحوثيون على نسف العلاقة الجيدة بين السنّة والزيديين، ولم تكن هذه التصرفات نابعة من اعتقاد بل بسبب تلقي أوامر من ولي الفقيه، مما تسبب بنسف المودة بين إيران والسعودية، فالعمليات المسلحة النيابية التي خاضها الحوثيون ضد السعودية هي ما تسبب بأزمة في العلاقة بين البلدين.

التقى المسؤولون السعوديون في التاسع من أبريل (نيسان) 2023 الحوثيين بحضور وسطاء العُمانيين، وطرحت تلك المفاوضات المعلنة سؤالاً حول ما إذا انتهت حرب الثمانية أعوام في اليمن، لكن دخول الحوثيين في حرب "حماس" وإسرائيل بناء على أوامر ولي الفقيه أدى إلى تغيير ساحة القتال، وهذه المرة لم يخض الحوثيون الحرب ضد السعودية بل ضد العالم، فهم يقاتلون الغرب والعالم الحر، وإطلاق الصواريخ على إسرائيل أو ناقلة النفط الهولندية والسفن التي تحمل أعلام بنما حوّل الحوثي من متمرد يمني إلى عدو للسلام والأمن في المنطقة، وسيدفع ثمناً مثلما دفع حسن نصرالله ويحيى السنوار، وربما سيتخلص الشعب اليمني بهذا الشكل من أزمة مستمرة منذ 70 عاماً.

كاتب إيراني لصحيفة "اندبندنت فارسية"

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق