نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
يوم أراد أستاذي تثقيف البروليتاريا الرثة- قصة عجيبة وتفاصيل غريبة! - خبر صح, اليوم الأربعاء 23 أبريل 2025 04:22 مساءً
من القصص التي عشتها ولا أنساها ما حييت أنني بعد أن وصلت إلى صنعاء قادما من ريف إب نهاية التسعينيات كنت على الفطرة " زنجبيل في غباره" شغوفا بالصحافة إلى درجة الجنون، حتى أنني حين نشرت لي أول قصة لم أنم تلك اللية من شدة الفرحة.
أجتاحتني هستيريا مضحكة فحملت الصحيفة وذهبت إلى أصحابنا في السكن، وهم عمال لا شأن لهم بالصحافة لكنني أجبرتهم على قراءة القصة واحدا واحدا، وكدت أخرج إلى الشارع وأضع البرميل والخشبة في منتصف الشارع وأي سيارة تمر على سائقها أن يقرأ القصة ثم يعدي.!
وبدأت أنشر قصص ومقالات ثم ذهبت إلى إحدى الصحف وكانت صحيفة مغمورة وحالتها مضروبة مثل حالي.!
قابلت رئيس التحرير وطلبت منه أعمل معه، نظر إلي بازدراء فقد كان شكلي كمتشرد، ثم أراد أن يتخلص مني فطلب مني إجراء مقابلة مع أستاذ علوم سياسية بجامعة صنعاء وقيادي بارز بأحد الأحزاب اليسارية.
وظن أنه بهذا الطلب قد أرتاح مني لكنني وجدتها فرصة فذهبت إلى أحد الأصدقاء واستعرت منه بذلة، وصديق آخر أكثر جنونا مني أخذت منه مسجلة كان يسمع بها الأغاني الهندية الحزينة ويظل يبكي ويضرب صدره بعنف حتى يسقط مغمى عليه، ولما كنت أسأله:
_ لماذا تبكي؟! وهل تفهم الكلام الهندي ؟
كان يجيبني:
_ ولا أفهم كلمة هندي بس حاسس إن هذه البنت اللي تغني مظلومة فعلا.!
فكنت أكتم ضحكاتي حتى أبتعد عنه ثم أضحك، وكان من يراني أضحك لوحدي يظنني مجنون، حتى أن أحدهم قال:
_ الولد هذا قرح فيوز في بداية شبابه. يا خسارة.!
المهم ذهبت إلى بيت الدكتور وأخبرته أنني من صحيفة كذا وأريد إجراء مقابلة معه فرفض في البداية ثم رحمني لما شرحت له قصتي فقال:
_ سأتحدث وأنت سجل. وبعد أن تفرغ المقابلة تعالي إلي غدا لأراجعها.
بعد نشر المقابلة توطدت صلتي بالدكتور، وذات مقيل سألته:
_ ما هو الحل يا دكتور ؟
فقال على الفور:
_ تثقيف البروليتاريا الرثة.
لم اسمعه جيدا فسألته:
_ كيف ننظف البيكتيريا الروثة هذه؟
فغضب مني وظن أنني أسخر منه فأقسمت له الأيمان المغلظة أنني أول مرة بحياتي أسمع باللي قال عليها.
فشرح لي:
_ البروليتاريا الرثة يعني الطبقة المسحوقة من الفلاحين وعمال اليومية والفقراء..
ولكي نثقف اللي قال عليهم توجهنا ذات يوم بعد الغداء إلى لوكندة شعبية وجلسنا وسط الجماهير الغفيرة من المخزنين والمدخنين.
وبعد العصر عرفهم الدكتور بنفسه ثم تحدث عن الأوضاع السياسية وسط قرقرة المدائع وسحب الدخان وضجيج الموالعة.
في البداية لم يهتم الناس بما يقول فغادرنا قبيل المغرب وكلنا إحباط ويأس مما أسماها: الغوغائية والسلبية لدى البروليتاريا الرثة.
لكنه بعد ذلك أعلن في الجامعة أنه سيلقي محاضرات للتوعية في تلك اللوكندة بدأ بعض الشباب يتوافدون عليها.
ثم نشرت بعض الصحف أخبارا عن محاضراته في تلك اللوكندة الشعبية فتدفق عليها أناس كثيرون حتى أنك إذا تأخرت لا تكاد تجد مكانا لتجلس عليه.
كان الدكتور يخرج بعد المغرب يحيط به الشباب وهو في غاية السعادة كأنه قد عثر على كنز، ثم يقول لي:
_ الشعب بدأ يعي، هؤلاء سأصنع بهم ثورة بعد سنوات.
وتعرفت على صاحب اللوكندة وتوطدت صلتي به فقد كان في غاية الفرح والسعادة، وكان يزودني بالقات والماء والبيبسي وكل ما أحتاج إليه.
ثم أعلن الدكتور في الجامعة فجاة عن نقل نشاطه إلى لوكندة شعبية في منطقة أخرى لتثقيف البروليتاريا الرثة هناك، وفعلا رافقته إلى اللوكندة الأخرى.
وبعد يومين فوجئت بصاحب اللوكندة السابقة يأتي إلي وهو في غاية القلق والتوتر يتصبب عرقا ويلهث كأنه مديون فر من أصحاب الديون، وقد أخبرني أنه ظل يبحث عن عنواني من بعد العصر ثم قال بلا مقدمات:
_ الدكتور خرب بيتي، اللوكندة الآن ما عاد فيها من يوحد الله.
كنا نطلب الله حريقة، نعمر كل يوم أكثر من 200 بوري مداعة، ونبيع أكثر من 100 كرتون ماء غير البيبسي وقيمة المداكي وخلافه.
وأضاف:
_ الآن الناس كلهم راحوا بعد الدكتور وإذا استمر هذا الوضع بقفل اللوكندة وأروح البلاد.
ثم دس في جيبي مبلغا كبيرا من المال فسألته:
_ إيش هذا ؟
_ تقنع الدكتور يرجع عندنا.
أعدت إليه نقوده وأخبرته أن الدكتور يريد أن يوزع نشاطه ليثقف أكبر قدر من جماهير البروليتاريا الرثة.
فقال:
_ قل له يجي عندنا والبيكتيريا شتجي بعده لعندنا.
ثم أضاف بصوت هو أقرب للبكاء:
_ نحن جزء من الشعب ونشتي نطلب الله، قصدي نتثقف.
_ أيوه بس الدكتور قد مر عليكم وسيمر على البقية.
أجهش بالبكاء وهو يقول:
_ حرام عليه بعدما طعمنا البيس وعرفنا طلبة الله يخرب بيوتنا هكذا، طيب يخليها يوم هنا ويوم هناك.
ثم أعاد لي النقود وأقسم أنها لي وطلب مني أن أحاول إقناع الدكتور بشتى السبل والوسائل.
أخذت المبلغ ووعدته بأن أبذل جهدي لاقناع الدكتور بالعودة للوكندة.
وحين ذهبت إلى الدكتور وعرضت عليه أن يعود للوكندة رفض قائلا:
_ صاحب اللوكندة يشتي يشتغل ويكسب وبس، هذا شخص برجوازي انتهازي.
بعد أيام عاد صاحب اللوكندة إلي فقلت في نفسي:
_ جاء يشتي فلوسه. وكيف سأفعل وقد صرفت جزء كبير منها ؟
لكنه لم يتحدث عن الفلوس بل سألني ماذا فعلت ؟
فأخبرته بما حدث فقال ببرود:
_ الدكتور صاحبك مخدوع وعلى نياته.
_ أنت إيش تقول؟
_ الذين يحضرون عنده ليسوا من الشعب.
ضحكت ساخرا:
_ ليسوا من الشعب ؟! هل هم من المريخ ؟
همس قائلا:
_ هؤلاء من الأمن السياسي ومن المخبرين، ومن جهات وسفارات ترسلهم لينقلوا لها ما يقول الدكتور.
_ أنت متأكد من كلامك؟
_ 100 % .
ثم طلب مني إلا أخبر الدكتور بالحقيقة حتى لا يحبط ويفقد حماسه، ثم عرض عليه 25 % من الأرباح إن عاود نشاطه في اللوكندة. ومضى وأنا غير مصدق لما قاله.
في اليوم الثاني أخبرت الدكتور بكل شيء فصدم بما سمعه ثم قال:
_ دعني أتأكد.
أجرى عدة اتصالات وإذا بكلام صاحب اللوكندة هو الحقيقة.
ضرب الدكتور كفا بكف وهو يقول:
_ وأنا أقول كيف الشعب صار حريصا على الوعي السياسي فجأة؟!
ثم ترك الدكتور الالتحام بالجماهير وتخلى عن تثقيف البروليتاريا الرثة.!
*قصة قصيرة
أخبار متعلقة :